يحسم محمد (7 سنوات) أمره بشأن تقديم هدية إلى أمه، ويعلن عدم الاحتفال بعيدها هذا العام لأنها «لا تنفذ لي كل ما أطلبه منها.
طلبت أن تشتري لي سيارة كهربائية فرفضت. أبي يعطيها المال وهي لا تصرفه إلا لشراء مستلزمات البيت وتحضير المأكولات لنا. وبالتالي فهي لا تستحق هدية أشتريها لها من مصروفي». مقابل هذه المقايضة البريئة، لا تنام فرح (12 سنة) الليل وهي تفكر في نوع الهدية التي ستقدمها لأمها. وما زاد من حيرتها أنها توصلت إلى أن لدى أمها كل ما يمكن تقديمه لها كهدية.
بين الحماسة والفتور تتأرجح مشاعر الأطفال عند سؤالهم عن الاحتفال بمناسبة عيد الأم، ولكل منه أسبابه «المنطقية الخاصة».
بعضهم يتحمس للإجابة عن مدى حبه لهذه الإنسانة التي تعجز لغتهم في أحيان كثيرة عن التعبير عما يفكرون أو يشعرون به، أو العكس، قد يعتبرون ما تقوم به بديهيا.
إلا أن براءة الطفولة وعفويتها وتلقائيتها تنسج سيناريوهات مختلفة تروى على السنة الأطفال، وتكشف مخططات يعتمدونها في هذه المناسبة في محاولة منهم للتميز و«مفاجأة» الأم رغم تأكيدهم على أن «أمنا تعلم بأننا سنقدم لها هدية في هذا العيد، وقد تظهر محاولاتنا لمفاجأتها في أحيان كثيرة سخيفة».
تسأل سمر معلمتها إذا كان بإمكانها اعتماد التمويه للاحتفال في هذه المناسبة: «هل أستطيع أن أتجاهل العيد في 21 مارس (آذار) حتى تظن أمي أنني نسيت عيدها، لأعود وأفاجئها في اليوم التالي بالمعايدة والهدية؟».
محاولات عدة يجهد الأطفال لاعتمادها في عيد أمهاتهم مستعينين بكل من حولهم من أفراد العائلة ولا سيما الأب الذي يعتمدون عليه في تمويل «المشروع».
تقول سيلين (9سنوات): «في السنة الماضية، اتفقنا مع أبي أن يصطحب أمي إلى السوق، فيما تولينا، إخوتي وأنا، تزيين غرفة الاستقبال وتحضير قالب الحلوى والمأكولات التي كان أبي قد طلبها من المطعم، وتوزيعها على الطاولة بانتظار عودتهما.
وقبل أن يفتح أبي باب البيت، عمدنا إلى إطفاء النور لنعود ونشعله بعدما دخلا، وكانت المفاجأة جميلة جدا فرحت بها أمي واستمتعنا بها كثيرا».
رغم أن هادي (11 سنة) بذل «جهدا ماليا» للتحضير مع أخيه لعيد الأم، فإنه بقي يتحسر على ما صرفه من مال لشراء هذه الهدية شهورا طويلة، حتى إنه لم يتوانَ عن تذكيرها في كل مناسبة أنه ضحى بـ«الغالي والنفيس» في سبيل معايدة أمه، التي تقول: «شعرت مرات عدة بالخجل أمام الناس، لأنه وبمجرد أن أرفض له طلبا ما، يعمد إلى تذكيري بأنه صرف كل ما كان قد جمعه من مال لشراء هدية لي، حتى إنني قلت له مرة: سأدفع لك ثمنها وأنتهي من هذه الدوامة.
لكن في المقابل، لا بد من الإشارة إلى أنه في حالات الرضا يفاخر بما قدمه لي ويتباهى به، وأنا بالطبع أظهر له تقديري لما قام به من أجلي».
وللمبادرات المعنوية قيمتها في أوساط الأطفال الذين يعتمدون عليها، ليس فقط في عيد الأم بل في معظم المناسبات للتعبير عن مدى محبتهم للشخص المستهدف، فهم يعتبرون أنهم إذا اعتمدوا على آبائهم للقيام بالمهمة، سيبدو الأمر سخيفا أي «من جيب الأب إلى جيب الأم».
وهم كذلك يدركون أن هدية الأم يجب أن تكون خاصة، كما يعبر ريان: «هدية الأم يجب أن تكون شخصية وليست عملية يمكن أن تستخدم في البيت، لأن ذلك لا يعتبر تكريما لها».
وتأخذ الرسائل حيزا كبيرا من هذه الوسائل، فالأوراق والألوان المفرحة كفيلة بإيصال الرسالة بأسرع وقت وبأقل خسائر مادية.
هنا تدخل الأشعار وكلمات الحب والرسوم التي تغزوها القلوب الملونة مرفقة بباقة من الورد أو وردة واحدة تفي بالغرض المطلوب.
ويدخل التفنن في طريقة تقديم هذه الهدية، فمنهم من يعمد إلى وضعها في غرفة نوم الأم، والبعض الآخر يحرص على الاستيقاظ باكرا وتسليمها هديتها يدا بيد.
وبما أن هدايا الأطفال لا تخضع لمعيار الثمين والرخيص أو القديم والجديد، فلم يكن أمام كريم إلا التصرف بما توفر، المهم بالنسبة إليه أنه لم ينس هذه المناسبة.
فما كان أمامه إلا أن جمع كتابين من مكتبة أمه ولفهما في ورقة ملونة وقدمهما هدية إليها. أما أخته فأصيبت بالغيرة وأصرت على أن لا تفوتها الواجبات الاجتماعية، فعمدت إلى تجميع ما تيسر لها من إكسسوارات للشعر خاصة بها ولفتها بدورها بورقة ملونة جميلة تليق بأمها.
مهما تعددت الأساليب وتنوعت، تبقى لمعايدة الأطفال أمهاتهم، بغض النظر عن قيمتها المعنوية أو المادية، نكهة خاصة تضاهي أغلى الهدايا، في انتظار أن تتطور مشاعرهم ويتقنوا لغة التعبير عن أحاسيسهم تجاهها، ومن ثم تتضاعف قيمة الهدايا، رغم أنها مهما ارتفع ثمنها تبقَ بالطبع عاجزة عن إيفاء الأم حقها