بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
الحمد لله
{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ ﴿٧﴾ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ ﴿٨﴾ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} [سورة السجدة: 7-9]، وأشهد أن لا إله إلا اله وحده لا شريك له؛ خلق فسوّى، وقدّر فهدى.
لابد وأن يعلم الآباء والأمهات أهمية التربية الجادة لفلذات أكبادهم، ولا نعني بالطبع أن يتجهم الوالدان في وجوه أطفالهما، أو أن يُغْفِلاَ الحاجات الفطرية لدى الأطفال للحب والحنان واللعب والترويح، وإنما المقصود ألا يضعف الوالدان أمام الواجب، وألا يستسلما للعاطفة أمام المصلحة الكبرى.
فماذا تنتظر من طفل تمنع الشفقةُ أباه أن يردَّ له خوفًا من صراخه، فينطبع في نفسه أن الصراخ والبكاء هما الوسيلة إلى الوصول إلى ما يريد؟!، ولذا نجد كثيرًا من أجيال المسلمين اليوم في عدد من بلاد الإسلام لا يجدون في والديهم إلا الإفراط في التدليل والشفقة، أو في الإهمال واللامبالاة؛ ففرّخ ذلك الميوعة والضعف والانهزامية واللامبالاة.
إن تعويد الطفل على ضبط رغباته، والتحكم في شهواته منذ صغره، وتكلف المشقة التي يحتملها في التعود على بعض العبادات قبل بلوغه التكليف قد جاء الشرع به؛ فهو يؤمر بالصلاة لسبعٍ، ويُضرب عليها لعشر، كما يؤمر بالصوم حتى يتعوده عند بلوغه.
يقول ابن القيم -رحمه الله- في (المودود بأحكام المولود):
"وينبغي لوليه أن يجنبه الكسل والبطالة والدعة والراحة، بل يأخذه بأضدادها، ولا يريحه إلا بما يجمّ نفسه وبدنه للشغل، فإن للكسل والبطالة عواقب سوء، ومغبة ندم، وللجد والتعب عواقبا حميدة، إما في الدنيا وإما في العقبى، وإما فيهما، فأروح الناس أتعب الناس، وأتعب الناس أروح الناس، فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى، لا يُوصَلُ إليها إلا على جسر من التعب".
تصورات مغلوطة:
- يخطىء من يظن أن حُسْن التربية يقتصر على الطعام الطيب، والشراب الهنيء، والكسوة الفخمة، والدراسة المتفوقة، ولا يبالون بالتربية على الخُلُق الكريم والتدين الصادق.
- ويخطىء من الآباء من يتوهم أن المدرسة هي المكلفة بحمل هذه المسؤولية وحدها بعد أن وضعهم في مدرسة -ولو كانت مدرسة تقوم بهذا العبء وتقدره-.
- ويخطىء كذلك من يعتقد أن مرحلة الطفولة ليست ذات تأثير كبير في الإنسان، وتكونيه النفسي.
يا معشر الآباء والأمهات.. انتبهوا..!
إننا لا نجد تعبيرًا عن أهمية وخطورة التربية المنزلية في المراحل الأولى أبلغ من قوله -صلى الله عليه وسلم-: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه» [رواه البخاري]، فمن أهم المهمات أن يغتنم الأبوان مرحلة الصِّغر التي يكون الطفل فيها سهلاً سلسًا لينًا مُطيعًا، ليجنيا ثمرة ذلك في ولدٍ صالحٍ، يأخذ بأيدهما إلى الجنة حين ينقطع عمل ابن آدم إلا من ثلاث: «صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» [رواه مسلم].
قال الغزالي - رحمه الله :-
"والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذَجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابلٌ لكل ما يُنقش، ومائلٌ لكل ما يُمال إليه، فإن عُوِّد الخير وعُلِّمَه نشأ عليه وسُعِدَ في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه كل مُعلمٍ له ومؤدب".
- إن الطفل يستطيع أن يميز بدءًا من الخامسة من عمره، بل قبل ذلك، وهو في هذه السن حتى يبلغ الحُلُم يكون أطوع ما يكون، فإذا ضُيِّعتْ هذه الفرصة وتُركت هذه الصفحة البيضاء، اسودّت بفعل المؤثرات السلبية المحيطة، وأصبح القلبُ الأبيضُ أسودًا منكوسًا عنيدًا، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أُشرب من هواه، وحينئذٍ يستيقظ الأبوان فزعيْن:
ماذا جرى؟! مَنْ هذا الشيطان؟! أين ذهب القلب البرىء ؟!
وماذا نفعل؟ّ! كيف نقوّمُهُ؟!
ولكن هيهات هيهات!؛ فقد شبَّ عن الطوق، وخرج من دفء المهد، ويبس منه العظم والرأس، وصدق فيه قول من قال:
إن الغصون إذا قوَّمتها اعتدلت *** ولن تلين إذا قوّمتها الخُشُبُ
ومن قال:
إن الغلامَ مطيعٌ من يُؤدبه ** ولا يُطيعكَ ذو سنِّ بتأديبِ
هل التربية هي التدليل؟
مُرَكب النقص في الشخصية سببه أحد أمرين: الإفراط في التدليل، أو الإفراط في الإذلال والكبت. أما التدليل فلأن الطفل كثير الخطأ، محتاج إلى ضبط سلوكه بصفة مستمرة، تكون في كثير من الأحيان على خلاف مزاجه، كما إن رغبات الطفل لا حدود لها ولا بد من فطامه عن السيِّء منها، كما يُفطم عن ثدي أمه حين يكون أحبَّ شيء إليه.
إنك بالواقع والتجربة تجد الطفل المدلل الذي يجابه الحياة حين يصير رجلاً، إن كان سعيد الحظ، واسع الرزق، أعفته المسؤوليات ومواجهة المشكلات، وإن اضطرته أقداره إلى الصراع من أجل حياته فإنه قلما يكون ناجحًا موفقًا معتمدًا على نفسه.
ولا أدل على ذلك من المشهد المتكرر حينما يولد طفل جديد على الطفل الذي كان متربعًا على عرش الأمومة وحده، نجده يتعرض لصدمة نفسية إن لم يكن قد أُعدَّ إعدادًا حكيمًا لمثل هذا الموقف الصعب، وإلا فسرعان ما يكظم في نفسه انفعال الاستياء، ويعمد إلى التبول في الفراش والتأتاة، وغير ذلك من أعراض الكبت الناجم عن المذلة النفسية التي قُدِّرت له.
كما يخطىء من يظن أن القسوة الشديدة هي مقصود التربية؛ فيتجرد الأبوان من الشفقة والحنان -وليس ذلك ممكنًا أصلاً عند الأسوياء-، فإن البهيمة ترفع رجلها عن ولدها خشية أن تصيبه، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء.
هذه المقالة من تراث الشيخ -رحمه الله-.
موقع صوت السلف
نسأل الله أن يصلح حال أمتنا جمعاء وأن يهدي الوالدين إلى طريق الحق وأن يوفقهما في إنشاء جيل قوي بالإيمان
وهذا أراه أفضل سلاح لأمتنا والله المستعان .
****************************************
حتى لا يحدث الصدام مع المراهق
"كرم المشاعر يؤدي إلى حسن تدفق الحوار"
من الحكمة عند التعامل مع المراهق أن ننتبه إلى النتائج التي قد تترتب على سلوكياتنا وردود أفعالنا،لئلا تكون النتائج كارثية
أو خطيرة عند الصدام مع المراهق ،لأن نتائج هذا الصدام تأخذ أشكالاً وصوراً دفاعية كثيرة مثل:
1-البحث على الأمن والحرية والاستقلال خارج المنزل،فتظهر عندنا مشكلة الهروب من المنزل أو المبيت
المتكرر خارجه والنفور من بيئة الأسرة.
2-كثرة الانتقاد لسلوك وتصرفات الكبار من حوله،خاصة أفكار والديه ،وتصرفاتهم اليومية ولباسهم وطريقة كلامهم.
3-افتعال المناقشات الحادة والمصحوبة بالصوت المرتفع ،لتأكيد شخصيته،وإبرازها بشكل مستقل عن الآخرين.
4-توجيه الغضب الداخلي إلى غير الوالدين ،وهو مايسمى ب "إعادة توجيه المشاعر"حيث يقوم المراهق بتوجيه غضبه نحو
شخص آخر مثل أخيه الصغير ،أو ابن الجيران أو صديق في المدرسة .
5-وأخطر مافي الموضوع أن يلجأ المراهق إلى سلوكيات يشعر من خلالها براحة البال المؤقتة ،ونسيان الهموم والبعد عن
المشكلات ولو لفترة كشرب الدخان ، أو تعاطي المخدرات.
"المراهق العدواني ينشأ في الغالب وسط أسرة خالية من العطف والحنان والاهتمام"
كيف نتعامل معهم؟
من المهم أن يغير الأهل والمربون من طريقة تفكيرهم تجاه الفئة المراهقة .ومتى تغيرت طريقة التفكير تغيرت النظرة وطرق التعامل معها
إن رؤيتنا لمرحلة المراهقة المبنية على أنها مرحلة خطيرة وعويصة ..تجعلنا نمارس التربية من مواقع غير فعالة في احتواء المراهق ..
وهذه المواقع تعبر عن فلسفة تربوية ورؤية جديدة تتحول إلى أساليب -في رأيي- ضاغطة منفرة للمراهق..
(ويجب على الأهل والمربين الانتقال من هذه المواقع السلبية لبدائل أكثر إيجابية وفاعلية):
الأدوار الجديدة المطلوبة من الأهل والمربين للتعامل مع المراهقين:الانتقال
*من الوصاية إلى الرعاية
*من التهميش إلى المشاركة
*من التشكيل إلى التنمية
*من المراقبة الصارمة إلى الحرية المسؤولة
*من الخوف عليهم إلى الثقة بهم
*من الوعظ والتوجيه إلى التفاعل والإتقان
الحاجات النفسية للمراهق
أكثر المواقف التي يحدث فيها الصدام مع المراهق تنبع من عدم تفهّم الكبار للحاجات النمائية للمراهق أو عدم السعي لإشباع
هذه الحاجات بحكمة خاصة الحاجات النفسية، مما يدفعه إلى إشباعها بطرق مختلفة قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة.
فهو بحاجة إلى ..:
1-الحاجة إلى الاطمئنان والطمأنينة والاستقرار النفسي .
2-الحاجة إلى الاعتبار ،والشعور بتقدير الذات .
3-الحاجة إلى الحب والود المتبادل.
4-الحاجة إلى المدح والتشجيع والثناء المنضبط.
5-الحاجة إلى القبول ،وتقدير المحيط له ،واعتراف الآخرين به.
6-الحاجة إلى الحرية والشعور بالاستقلالية .
7-الحاجة إلى الحياة الاجتماعية والشعور بالانتماء.
8- الحاجة إلى النجاح والإنجاز.
9- الحاجة إلى التأديب والتوجيه والإرشاد.
10-الحاجة إلى الإيمان (التربية الدينية )
نصائح من ذهب
حتى نتجنب وقوع صدام مع المراهق ،أو للتقليل من عدد المواقف التي يحدث فيها الصدام ، نقترح على الأهل والمربين
بعض النصائح التي تمكنهم من مراعاة الخصائص النمائية للمراهقة وتلبية احتياجاتها خاصة النفسية:
1-أشركه في القضايا التي تهمه ، وأقنعه قبل إشراكه.
2-دربه على المشاركة والتفاعل مع المجتمع الذي يعيش فيه (الأسرة ،المدرسة، الأصدقاء..)
3-أتح له المجال للتعبير عن ذاته ومشاعره ،وساعده على بناء قدراته في التعبير عن مشاعره.
4-جرّب أن تشترك وتستمتع معه في أنشطة عامة يحبها أو رحلات أو ألعاب..
5-أشركه في أعمال جماعية تعاونية.
6- زوده بالمعلومات والمعارف التي يحتاجها ،ووفر له ما يرغب في تعلمه.
7- حاوره ثم حاوره ثم حاوره،ولكن ليس بعد المشكلة مباشرة أو في أجواء مشحونة متوترة .
9-دربه منذ البداية واتفق معه على معايير اختيار (الصحبة ،المجموعة، الأقران..)
10- كن مصلحاً اجتماعياً لا مجرد واعظ أو راوٍ للقصص.
11-اكتلك مهارات تمكنك من حسن التعامل معه خاصة مهارة الاستماع والإنصات والحوار والإقناع.
12-تعلّم كيف ترفع معنويات المراهق وتبني الطموح لديه وتنشئ الدوافع الإيجابية.
من كتابالمراهقونالمزعجون..للدكتورمصطفى أبوسعد..