قصـة ذو القرنــين
موقع القصة في القرآن الكريم:
ورد ذِكرُ القصة في سورة الكهف الآيات 82-98.
قال الله تعالى:
" وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا * فَأَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا * قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا * كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا " صدق الله العظيم
القصة:
لا نَعلم قطعاً مَن هو (ذو القرنين). كلُّ ما يخبرنا القرآن عنه أنه ملِكٌ صالح، آمن بالله وبالبعث وبالحساب، فمكّن الله له في الأرض، وقوّى مُلكه، ويسّر له فتوحاته.
بدأ (ذو القرنين) التجوال بجيشه في الأرض، داعياً إلى الله. فاتجه غرباً، حتى وصلَ للمكان الذي تبدو فيه الشمسُ كأنها تغيب مِن وراءه. وربما يكون هذا المكان هو شاطئ المحيط الأطلسي، حيث كان يظن الناس ألا يابسةَ وراءهُ. فألهمه الله (أو أوحى إليه) أنه مالكُ أمرِ القوم الذين يسكنون هذه الديار، فإما أَن يعذبهم أو أَن يحسن إليهم.
فما كان مِنَ الملك الصالح، إلا أن وضّح منهجَهُ في الحكم. فأعلن أنه سيعاقب المعتدين الظالمين في الدنيا، ثم حِسابهم على الله يوم القيامة. أما مَن آمن، فسيكرمهُ ويحسن إليه.
بعد أن انتهى (ذو القرنين) مِن أمرِ الغرب، توجّهَ للشرق. فوصل لأولِ منطقةٍ تطلع عليها الشمس. وكانت أرضاً مكشوفةً لا أشجار فيها ولا مرتفعات تحجبُ الشمس عَن أهلها. فحكم (ذو القرنين) في المشرق بنفس حُكمه في المغرب، ثم انطلق.
وصل (ذو القرنين) في رحلته، لقومٍ يعيشون بين جبلين أو سدّين بينهما فجوة. وكانوا يتحدثون بلغتهم التي يصعُبُ فهمُها. وعندما وجدوه ملكاً قوياً طلبوا منه أن يساعدهم في صدِّ يأجوج ومأجوج بأن يبني لهم سداً لهذه الفجوة، مقابل خَرَاجٍ من المال يدفعونه له.
فوافق الملك الصالح على بناء السّد، لكنه زهد في مالهم، واكتفى بطلب مساعدتهم في العمل على بناء السّد ورَدْمِ الفجوة بين الجبلين.
استخدم (ذو القرنين) وسيلةً هندسيةً مميزةً لبناء السّد. فقام أولاً بجمعِ قطعِ الحديد ووضعها في الفتحة حتى تساوى الركام مع قمتي الجبلين. ثم أوقدَ النار على الحديد، وسكبَ عليه نحاساً مذاباً ليلتحم وتشتدّ صلابته. فسدّت الفجوة، وانقطع الطريق على يأجوج ومأجوج، فلم يتمكنوا مِن هدم السّد ولا تسوّره. وأمِنَ القوم الضعفاء من شرّهم.
بعد أَن انتهى (ذو القرنين) من هذا العمل الجبار، نظر للسّد، وحمد الله على نعمته، وردّ الفضل والتوفيق في هذا العمل لله سبحانه وتعالى، فلم تأخُذُه العزّة، ولم يسكن الغرور قلبه.
يأجوج ومأجوج :
يأجوج ومأجوج اسمان أعجميان ، وقيل : عربيان
وعلى هذا يكون اشتقاقهما مِن
أجت النار أجيجاً: إذا التهبت
أو من الأجاج: وهو الماء الشديد الملوحة ، المحرق من ملوحته
وقيل عن الأج: وهو سرعة العدو
وقيل: مأجوج: من ماج إذا اضطرب
ويؤيد هذا الاشتقاق قوله تعالى: "وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا" الكهف آية 99
وهما على وزن يفعول في ( يأجوج ) ، ومفعول في ( مأجوج ) أو على وزن فاعول فيهما
هذا إذا كان الإسمان عربيان ، أما إذا كانا أعجميين فليس لهما اشتقاق ، لأن الأعجمية لا تشتق
وأصلُ (يأجوج ومأجوج) من البشر من ذرية آدم وحواء عليهما السلام . وهما من ذرية يافث أبي الترك ، ويافث من ولد نوح عليه.
صفتهم
هم يشبهون أبناء جنسهم من الترك المغول، صِغار العيون، ذلف الأنوف، صهب الشعور، عراض الوجوه، كأن وجوههم المجان المطرقة ، على أشكال الترك وألوانهم.
روى الإمام أحمد: خطب رسول الله (صلوات ربي وسلامه عليه) وهو عاصبٌ أصبعه من لدغة عقرب ، فقال: "إنكم تقولون لا عدو ، وإنكم لا تزالون تقاتلون عدواً حتى يأتي يأجوج ومأجوج : عراض الوجوه ، صغار العيون ، شهب الشعاف (الشعور) ، من كل حدب ينسلون ، كأن وجوههم المجان المطرقة ".
وقد ذكر ابن حجر بعض الاثار في صفتهم ولكنها كلها روايات ضعيفة ، ومما جاء فيها أنهم ثلاثة أصناف:
صنفٌ.. أجسادهم كالأَرْز وهو شجرٌ كبار جداً.
وصنفٌ.. أربعة أذرع في أربعة أذرع.
وصنفٌ.. يفترشون آذانهم ويلتحفون بالأخرى.
وجاء أيضا.. أن طولهم شبرٌ وشبرين ، وأطولهم ثلاثة أشبار.
والذي تدل عليه الروايات الصحيحة.. أنهم رجال أقوياء ، لا طاقة لأحد بقتالهم، ويبعد أن يكون طول أحدهم شبر أو شبرين.
أدلة خروجهم
قال تعالى: " حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ " سورة الأنبياء آية 96-97
وقال تعالى في قصة ذي القرنين: " ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا * كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا " صدق الله العظيم
وهذه الآيات تدل على خروجهم، وأنّ هذا علامةٌ على قربِ النفخ في الصور وخراب الدنيا، وقيام الساعة.
وعَن أم حبيبة بنت أبي سفيان عن زينب بنت جحش أنّ رسول الله (صلوات ربي وسلامه عليه) دخل عليها يوماً فزعاً يقول: "لا إله إلا الله ، ويلٌ للعربِ مِن شرٍّ قد اقتربْ، فتح اليوم مِن ردم يأجوج ومأجوج مثلُ هذه (وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها)" قالت زينب بنت جحش : فقلت يا رسول الله ! أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : "نعم، إذا كثرَ الخبث"
وجاء في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه وفيه:
" إذا أوحى الله على عيسى أني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور ، ويبعث الله يأجوج ومأجوج ، وهم من كلِّ حدبٍ ينسلون ، فيمر أولئك على بحيرة (طبرية) ، فيشربون ما فيها ، ويمرُّ آخرهم فيقولون : لقد كان بهذه مرةً ماء ، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأسُ الثورٍ لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم ، فيرغب إلى الله عيسى وأصحابه ، فيرسل الله عليهم النغف (دود يكون في أنوف الإبل والغنم) في رقابهم فيصبحون فرسى (أي قتلى) كموت نفس واحدة ، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون موضع شبر إلاّ ملأهُ زهمهُم ونتنهُم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله ، فيرسل الله طيراً كأعناق البخت ، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله" رواه مسلم وزاد في رواية ** بعد قوله (لقد كان بهذه مرة ماء) ** "ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبلِ الخمرِ، وهو جبل بيت المقدس فيقولون: لقد قتلنا مَن في الأرض ، هلمّ فلنقتل مَن في السماء، فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبةً دماً".
وجاء في حديث حذيفة رضي الله عنه في ذكر أشراط الساعة فذكر منها: "يأجوج ومأجوج" رواه مسلم
سد يأجوج ومأجوج
بنى ذو القرنين سد يأجوج ومأجوج ، ليحجز بينهم وبين جيرانهم الذين استغاثوا به منهم. كما قال تعالى: " قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا " الكهف آية 94-95
هذا ما جاء به الكلام على بناء السد ، أما مكانه ففي جهة المشرق لقوله تعالى: "حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ" ولا يعرف مكان هذا السد بالتحديد.
والذي تدل عليه الآيات أن السد بني بين جبلين، لقوله تعالى: "حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ" والسدان : هما جبلان متقابلان. ثم قال: "حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ" ، أي: حاذى به رؤوس الجبلين وذلك بزبر الحديد، ثم أفرغ عليه نحاساً مذاباً، فكان السدُّ محكماً.
وهذا السدُّ موجودٌ إلى أَن يأتي الوقتُ المحدّد لدكّ هذا السد ، وخروج يأجوج ومأجوج، وذلك عند دنو الساعة، كما قال تعالى: " قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا " سورة الكهف آية 98-99
الكهف
والذي يدل على أنّ هذا السد موجودٌ لم يندكْ ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (صلوات ربي وسلامه عليه): " يحفرونه كلّ يومٍ حتى إذا كادوا يخرقونه، قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غداً. قال: فيعيده الله عز وجل كأشد ما كان، حتى إذا بلغوا مدتهم، وأراد الله تعالى أن يبعثهم على الناس، قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غداً إن شاء الله تعالى، واستثنى. قال: فيرجعون وهو كهيئته حين تركوه، فيخرقونه ويخرجون على الناس، فيستقون المياه، ويفر الناس منهم " رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم