غرائب القران الكريم
اللهم أسألك رضاك والجنة
الإعجاز العلمي للقرآن
يقول الله تعالى :
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ
وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا {45}
ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا }
[سورة الفرقان: 25].
وشرح صاحب (غرائب القرآن) أن في هذه الآية والآيات التي أعقبتها عدة أدلة على توحيد الله سبحانه وتعالى :
أولها: الاستدلال على التوحيد من أحوال الظل.
ثانيها: من أحوال الليل والنهار في الآية [47]
ثالثها: من تصريف الرياح في الآية [48]
وملخص الأقوال في شرح هذا الدليل الأول (أي الظل) على التوحيد :
أولاً : الظل أمر متوسط بين الضوء الخالص والظلمة الخالصة .. وهو أعدل (أفضل) الأحوال، لأن الظلمة الخالصة يكرهها الطبع، وينفر
منها الحس، والضوء الكامل يبهر الحس البصري، ويؤذي بالتسخين، ولذلك وصف الله سبحانه وتعالى الجنة بالظل في قوله سبحانه
(وظل ممدود ) ومعنى الآية في سورة الفرقان تقريباً هو : ألم تر إلى عجيب صنع ربك كيف جعل الظل ممتداً منبسطاً على
الأجسام، ولو شاء لجعله لاصقاً بكل ضوء على الأجرام ولما عُرف للظل وجود، لأن الأشياء إنما تعرف بأضدادها.
ثم أزلنا الظل لا دفعة، بل يسيراً في جانب المغرب شيئاً بعد شيء. وفي القبض على هذا الوجه منافع جمة.
ثانياً : إنه سبحانه لما خلق السماء والأرض ألقت السماء ظلها على الأرض ممدوداً منبسطاً، ثم خلق الشمس وجعلها دليلاً على
الظل، لأن الظل يتبعها كما يتبع الدليل في الطريق من حيث أنه يزيد بها وينقص ويمتد ويتقلص.. ثم إن لقبض الظل معنيان
[1] انتهاء الإظلال إلى غاية ما من النقصان بالتدريج
[2] قبضه عند قيام الساعة بقبض أسبابه، وهي الأجرام المضيئة.
ينتج الظل فيزيائياً عندما تسقط الأشعة على حائل فتنخفض
إضاءته على مسقطه عنها على ما يحيط به، وهو كما عبر عنه صاحب
(غرائب القرآن) أمر وسط بين الظلمة الحالكة والضوء الخالص
ويتغير الظل طولاً وقصراً بعكس اتجاه دوران مصدر الإضاءة ويتغير في الطبيعة من يوم لآخر خلال أيام السنة، ومن وقت لآخر ومن
مكان لآخر على سطح الأرض، والسبب في هذا هو دوران الأرض حول محورها مرة كل يوم خلال حركتها الدورانية حول أمها
الشمس، والتي هي الأخرى تدور حول نفسها في مدار مائل
وبتغير حركة الشمس الظاهرية تتغير حركة الأشعة الضوئية الساقطة، ويتبع هذا تغير ظلال الأشياء، أي أنها لا تبقى ساكنة أو دائمة على حالها
وهكذا يستمر الظل في حركة وتغير مادامت الشمس مستمرة في حركة دوران، وما دام الضوء المنبعث منها يسير بسرعة هائلة
(مقدارها ثلاثمائة ألف كيلومتراً في الثانية تقريباً)، ولولا هذه السرعة لما تحددت معالم ظلال الأشياء.
ولا يبقى الظل أو يسكن إلا بسكون الأرض، أي : توقفها عن الدوران، ولو حدث هذا لاختل توازنها في دورانها حول أمها الشمس،
ولارتطمت بسطح هذه الشمس، وبهذا تكون نهايتها
ويظهر الظل ـ أيضاًـ في ظاهرة كسوف المشمس،
عندما يوجد القمر (وهو محاق تماماً) على الخط الواصل بين الأرض والشمس،
فيحجب قرصها لمدة ثماني دقائق على الأكثر، وينتهي الكسوف بتفاوت حركة القمر في مداره حول الأرض ويمر القمر ـ أيضاًـ في
دورانه في مخروط ظل الأرض لفترات أطول خلال خسوفه حين يوجد في حالة الاستقبال.
وإذا كان قد عرضنا اختلاف الليل والنهار وتعاقبهما وإيلاجهما في بعضهما، وغير هذا وذالك في موضع آخر، فإن الاختلاف في طولي
الليل والنهار هو الأساس ـ أيضاًـ في تغيير الظل، بالزيادة والنقصان، كل على حساب الآخر، ولا بأس من ذكر أجزاءٌ من الآيات القرآنية
ذات الصلة بالموضوع :
{ إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ }
[سورة يونس:6].
{ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ }
[سور المزمل:19].
{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ
وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ {61}
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن }
[سورة الحج:61]
ويلاحظ أن الظل إذا كان في حركة دائمة وامتداد وانكماش أمام مصدر ضوئي ثابت عبر القرآن عنه تعبيراً بليغاً بكلمة ( دليل ) [ في الآية 45 من سورة الفرقان]، أي : Reference Point ، أي : نقطة إشارة، أو نقطة مصدر مرجعي مضيئة، فالتفكير المنطقي يهدي
صاحبه إلى أن الظل إذا كان فوق جسم ما يتحرك باستمرار أمام نقطة دليل مضيئة ثابتة، فهناك إذن حركة بذلك الجسم، وهكذا تدل
الآية على حركة كل من الأرض والشمس
لامتداد الظل وانقباضه، وهي الظاهرة التي أشارت إليها الآية القرآنية المحورية في هذا الموضوع، فوائد جمة، نذكر أهمها فيما يلي:
تحديد مواعيد الصلاة في الإسلام، لأن الظل أثناء النهار، وأوقات الصلوات مرتبطة بارتفاع الشمس وانخفاضها تحت الأفق.
وقت الفجر:يدخل مع بداية الشفق الصباحي الذي يحدث حين تكون الشمس تحت الأفق الشرقي بمقدار معلوم.
وقت الظهر :يدخل عندما تكون الشمس ناحية الجنوب، أو في أقصى أرتفاع لها خلال النهار، وهو الوقت الذي يكون ظل الشيء أقصر ما يمكن.
وقت العصر:يدخل عندما يبلغ ظل الشيء مثله، أو مثليه (في المذهب الحنفي)، مضافاً إليه طول ظله عند الظهر .
وقت المغرب:يدخل عند اختفاء قرص الشمس تماماً تحت الأفق الغربي، ويزول ظل الشيء نتيجة لاختفاء أشعة الشمس.
وقت العشاء :يدخل عند اختفاء الشفق المسائي، حين تكون الشمس تحت الأفق الغربي بمقدار معلوم.
رحمة الله بالكائنات والمخلوقات الحية من شدة الحرارة والضوء اللذان يضران بها أو من انعدامهما، إذا استمر الظل ولم تنشأ القدرة
الإلهية بانقباضهن فكيف بحياة الأحياء تستمر مع ظل ثابت، ممتداً كان أو مقبوضاً، ولكن بتغيره وتبدله بين المد والانقباض، تنال هذه
الأحياء قسطاً من الدفء والضوء وقت المد، وقسطاً من الراحة وتلطيف حرارتها وقت الانقباض، ويتفضل المولى جل جلاله علينا بهذا
التقدير العظيم لمصلحة الأحياء، ويشير إلى هذه النعمة العظيمة
في قوله :
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ }
[سورة القصص:71].
بالظل عرف العلماء ظاهرة الانكسار الضوئي، فإذا مر شعاع بالهواء وسقط على شيء (حائل) انكسر، ولولا هذا لكان الظل أكثر
امتداداً، ولكن بسبب الانكسار، فإن ظل أي شيء يكون مقبوضاً انقباضاً يسيراً .
امتداد الظل وانقباضه يؤديان إلى تغيير درجات التسخين والتبريد، وهما ضروريان لإتمام العمليات الجوية (من رياح وسحب وأمطار وغيرها)، وهي عمليات لا تستقيم الدنيا إلا بها.
هناك متعة في مشاهدة ظاهرتي الكسوف (الشمس) والخسوف (للقمر)، ويصاحبهما تكون ظلال ممتدة، وتسجيل هاتين الظاهرتين
يفيد كثيراً في دراسة سطح القمر وأغلفة الشمس والغلاف الجوي للكرة الأرضية والحركة في الكون عامة
الظل نبه العلماء إلى ضرورة حركة الأرض، وحتمية دورانها حول محورها.
ونختم بما بدأنا به الموضوع، وهو قول الله تبارك وتعالى :
(ألم تر إلى بك كيف مد الظل ..)
فليس هناك أفضل من هذا الختام.
قلم الأستاذ الدكتور كارم غنيم
رئيس جمعية الإعجاز العلمي للقرآن في القاهرة