المجنون عضو فعال
عدد الرسائل : 356 العمر : 42 السٌّمعَة : 0 نقاط : 614 تاريخ التسجيل : 06/07/2011
| موضوع: فضائل الأخلاق ورذائلها ::: الأحد يوليو 31, 2011 6:02 am | |
| -في فضائل الأخلاق ورذائلها :::فضائل الأخلاق من المنجيات الموصلة إلى السعادة الأبدية ، ورذائلها من المهلكات الموجبة للشقاوة السرمدية ، فالتخلي عن الثانية والتحلي بالأولى من أهم الواجبات والوصول إلى الحياة الحقيقية بدونهما من المحالات . فيجب على كل عاقل أن يجتهد في اكتساب فضائل الأخلاق التي هي الأوساط (1) المثبتة من صاحب الشريعة والاجتناب عن رذائلها التي هي الأطراف ، ولو قصر أدركته الهلاكة الأبدية ، إذ كما أن الجنين لو خرج عن طاعة ملك الأرحام المتوسط في الخلق لم يخرج إلى الدنيا سويا سميعا بصيرا ناطقا ، كذلك من خرج عن طاعة نبي الأحكام المتوسط في الخلق لم يخرج إلى عالم الآخرة كذلك . ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا (2) . ثم ما لم تحصل التخلية لم تحصل التحلية ولم تستعد النفس للفيوضات القدسية ، كما أن المرآة ما لم تذهب الكدورات عنها لم تستعد لارتسام الصور فيها ، والبدن ما لم تزل عنه العلة لم تتصور له إفاضة الصحة ، والثوب ما لم ينق عن الأوساخ لم يقبل لونا من الألوان ، فالمواظبة على الطاعات الظاهرة لا تنفع ما لم تتطهر النفس من الصفات المذمومة كالكبر والحسد والرياء ، وطلب الرياسة والعلى وإرادة السوء للاقران والشركاء وطلب الشهرة في البلاد وفي العباد ، وأي فائدة في تزيين الظواهر مع إهمال البواطن . ومثل من يواظب على الطاعات الظاهرة ويترك تفقد قلبه كبئر الحش (3) ظاهرها جص وباطنها نتن ، وكقبور الموتى ظاهرها مزينة وباطنها إشارة إلى أن الفضيلة وسط بين رذيلتين وقد دعى الشارع إلى تحصيل الوسط بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : خير الأمور أواسطها) وسيأتي شرح المعنى من الوسط والطرفين . (2) الإسراء الآية 72 . (3) الحش بالفتح أو الضم ثم التشديد والفتح أكثر من الضم : المخرج وموضع الحاجة وأصله من الحش بمعنى البستان ، لأنهم كانوا يتغوطون في جيفة ، أو كبيت مظلم وضع السراج على ظاهره فاستنار ظاهره وباطنه مظلم ، أو كرجل زرع زرعا فنبت ونبت معه حشيش يفسده فأمر بتنقية الزرع عن الحشيش بقلعه عن أصله فأخذ يجز رأسه ويقطعه فلا يزال يقوى أصله وينبت فإن الأخلاق المذمومة في القلب هي مغارس المعاصي فمن لم يطهر قلبه منها لم تتم له الطاعات الظاهرة ، أو كمريض به جرب وقد أمر بالطلاء ليزيل ما على ظهره ويشرب الدواء ليقلع مادته من باطنه فقنع بالطلاء وترك الدواء متناولا ما يزيد في المادة فلا يزال يطلي الظاهر والجرب يتفجر من المادة التي في الباطن . ثم إذا تخلت عن مساوئ الأخلاق وتحلت بمعاليها على الترتيب العملي استعدت لقبول الفيض من رب الأرباب ، ولم يبق لشدة القرب بينهما حجاب ، فترتسم فيها صور الموجودات على ما هي عليها ، على سبيل الكلمة ، أي بحدودها ولوازمها الذاتية لامتناع إحاطتها بالجزئيات من حيث الجزئية ، لعدم تناهيها ، وإن علمت في ضمن الكليات لعدم خروجها عنها ، وحينئذ يصير (4) موجودا تاما أبدى الوجود سرمدي البقاء ، فائزا بالرتبة العليا ، والسعادة القصوى ، قابلا للخلافة الإلهية ، والرئاسة المعنوية فيصل إلى اللذات الحقيقية ، والابتهاجات العقلية التي ما رأتها عيون الأعيان ، ولم تتصورها عوالي الأذهان . -الأخلاق الذميمة تحجب عن المعارف :::: الأخلاق المذمومة هي الحجب المانعة عن المعارف الإلهية ، والنفحات القدسية إذ هي بمنزلة الغطاء للنفوس فما لم يرتفع عنها لم تتضح لها جلية الحال اتضاحا ، كيف والقلوب كالأواني فإذا كانت مملوءة بالماء لا يدخلها الهواء ، فالقلوب المشغولة بغير الله لا تدخلها معرفة الله وحبه وأنسه ، وإلى ذلك أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : لولا أن الشياطين يحرمون البساتين ، فلما اتخذوا الكنف أطلقوا عليها الاسم مجازا ، فالمراد هنا من بئر لحش ا خزانة الكنيف . (4) تذكير الضمير باعتبار إرادة الإنسان لأنه صاحب النفس: إلى قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات والأرض فبقدر ما تتطهر القلوب عن هذه الخبائث تتحاذى شطر الحق الأول (5) وتلألأ فيها حقائقه كما أشار إليه النبي صلى الله عليه وآله : إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها ، فإن التعرض لها إنما هو بتطهير القوب عن الكدورات الحاصلة عن الأخلاق الردية (6) فكل إقبال على طاعة وإعراض عن سيئة يوجب جلاء ونورا للقلب يستعد به لإفاضة علم يقيني ، ولذا قال سبحانه : والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا . (7) . وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم فالقلب إذا صفى عن الكدورات الطبيعية بالكلية يظهر له من المزايا الإلهية والإفاضات الرحمانية ما لا يمكن لأعاظم العلماء كما قال سيد الرسل : إن لي مع الله حالات لا يحتملها ملك مقرب ولا نبي مرسل . وكل سالك إلى الله إنما يعرف من الألطاف الإلهية والنفحات الغيبية ما ظهر له على قدر استعداده ، وأما ما فوقه فلا يحيط بحقيقته علما لكن قد يصدق به إيمانا بالغيب كما إنا نؤمن بالنبوة وخواصها ونصدق بوجودها ولا نعرف حقيقتهما كما لا يعرف الجنين حال الطفل والطفل حال المميز والمسير من العوام حال العلماء والعلماء حال الأنبياء والأولياء . فالرحمة الإلهية بحكم العناية الأزلية مبذولة على الكل غير مضنون بها على أحد ، لكن حصولها موقوف على تصقيل مرآة القلب وتصفيتها عن الخبائث الطبيعية ، ومع تراكم صدأها الحاصل منها لا يمكن أن يتجلى فيها شيء من الحقائق ، فلا تحجب الأنوار العلمية والأسرار الربوبية عن قلب من القلوب لبخل من جهة المنعم تعالى شأنه عن ذلك ، بل الاحتجاب إنما هو من جهة القلب لكدورته وخبثه واشتغاله بما يضاد ذلك . ثم ما يظهر للقلب من العلوم لطهارته وصفاء جوهره هو العلم الحقيقي المراد من الحق الأول عون الله تبارك وتعالى فكما أن الحق صفة له كذلك الأول فهو صفة بعد صفة . (6) المراد من النفحات هي الإفاضات المعنوية لا التمسك كما وردت بالمعنى الثاني في بعض الأخبار . (7) العنكبوت الآية : 69 .
النوراني الذي لا يقبل الشك وله غاية الظهور والانجلاء لاستفادته من الأنوار الإلهية والإلهامات الحقة الربانية ، وهو المراد بقوله (ع) : إنما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء وإليه أشار مولانا أمير المؤمنين (ع) بقوله : أن من أحب عباد الله إليه عبدا أعانه الله على نفسه فاستشعر الحزن وتجلبب الخوف فزهر مصباح الهدى في قلبه (إلى أن قال) : قد خلع سرابيل الشهوات ، وتخلى من الهموم إلا هما واحدا انفرد به ، فخرج من صفة العمى ومشاركة أهل الهوى ، وصار من مفاتيح أبواب الهدى ومغاليق أبواب الردى ، قد أبصر طريقه وسلك سبيله وعرف مناره ، وقطع غماره ( ، واستمسك من العرى بأوثقها ومن الجبال بأمتنها فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس وفي كلام آخر له (ع) قد أحيي قلبه وأمات نفسه ، حتى دق جليله (9) ولطف غليظه ، وبرق له لامع كثير البرق ، فأبان له الطريق وسلك به السبيل ، وتدافعته الأبواب إلى باب السلامة ودار الإقامة ، وتثبت رجلاه لطمأنينة بدنه في قرار الأمن والراحة بما استعمل قلبه وأرضى به . وقال (ع) في وصف الراسخين من العلماء : هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة وباشروا روح اليقين واستلانوا ما استوعره المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى وبالجملة ما لم يحصل للقلب التزكية لم يحصل له هذا القسم من المعرفة إذ العلم الحقيقي عبادة القلب وقربة السر ، وكما لا تصح الصلاة التي هي عبادة الظاهر إلا بعد تطهيره من النجاسة الظاهرة فكذلك لا تصح عبادة الباطن إلا بعد تطهيره من النجاسة الباطنية التي هي رذائل الأخلاق وخبائث الصفات ، كيف وفيضان أنوار العلوم على القلوب إنما هو بواسطة الملائكة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب فإذا كان بيت القلب مشحونا بالصفات الخبيثة التي هي كلاب نابحة لم تدخل فيه الملائكة القادسة والحكم بثبوت النجاسة الظاهرة للمشترك ، مع كونه مغسول الثوب نظيف البدن ، إنما هو لسراية نجاسته الباطنية ... بني الدين على النظافة يتناول زوال النجاستين . وما ورد من أن الطهور نصف الإيمان المراد به طهارة الباطن عن خبائث الأخلاق ، وكان النصف الآخر تحليته بشرائف الصفات وعمارته بوظائف الطاعات . وبما ذكر ظهر أن العلم الذي يحصل من طريق المجادلات الكلامية والاستدلالات الفكرية ، من دون تصقيل لجوهر النفس ، لا يخلو عن الكدرة والظلمة ، ولا يستحق اسم اليقين الحقيقي الذي يحصل للنفوس الصافية ، فما يظنه كثير من أهل التعلق بقاذورات الدنيا أنهم على حقيقة اليقين في معرفة الله سبحانه خلاف الواقع ، لأن اليقين الحقيقي يلزمه روح (10) ونور وبهجة وسرور ، وعدم الالتفات إلى ما سوى الله ، والاستغراق في أبحر عظمة الله ، وليس شيء من ذلك حاصلا لهم ، فما ظنوه يقينا إما تصديق مشوب بالشبهة ، أو اعتقاد جازم لم تحصل له نورانية وجلاء وظهور وضياء ، لكدرة قلوبهم الحاصلة من خبائث الصفات . والسر في ذلك أن منشأ العلم ومناطه هو التجرد كما بين في مقامه ، فكلما تزداد النفس تجردا إيمانا ويقينا ، ولا ريب في أنه ما لم ترتفع عنها أستار السيئات وحجب الخطيئات لم يحصل لها التجرد الذي هو مناط حقيقة اليقين فلا بد من المجاهدة العظيمة في التزكية والتحلية حتى تنفتح أبواب الهداية وتنضح سبل المعرفة كما قال سبحانه : (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) | |
|