أسمى الله المعظمين
اَلـحفيظ ** الـحميد
أخى المسلم أولاً :-
أخى المسلم
يجب أن تعلم ان الحفيظ هو الذى أحاط عباده بكمال علمه و عنايته
و لم يفته شئ فى ملكه و ملكوته و لم يغفل عن تدبير شئ من أمور خلقه
فما من ذرة فى صخرة أو فى السماوات او فى الأرض
إلا و هو يعلم مكانها و مكوناتها و خصائصها
فيقوم بحفظها و صيانتها و فصلها عما يفسدها أو لا يتفق مع جنسها و خاصيتها
الحفيظ هو البالغ الحفظ القادرعلى كل شئ العالم بكل شئ
و أن هذا الأسم يوحى بكمال الذات و الصفات و الأفعال
و هو الذى حفظ أوليائه من مسالك الضلال بتوفيقه إلى مسالك الهدى
و صان خواطرهم عن السياحه فى غير ميادين الذكر و الفكر
و حماهم فى حال المحنة من الشكوى ، و فى حال النعمة من البلوى
و هو الذى حفظ أولياءه عن ملاحظة الأغيار و صان ظاهرهم عن موافقة الفجار
أى صان نظرهم و فكرهم عن ملاحظة غير الله عز و جلّ فلم يسألوا أحداً سواه
و صان أعمالهم الظاهرة كلها عن الرياء و السمعة و نفاق أهل النفاق
إن الله عز و جلّ قد صان عباده المقربين بتطهير ظواهرهم و بواطنهم
من الشرك الجلى منه و الخفى فلم يعد لهم سبيل إلا اليه ، و لا هوى إلا فى طاعته
و لا طلبا إلا فى إبتغاء مرضاته و هم الذين أمنوا بالله إيمانا كاملاً
و أستقاموا على الطريق السوى حتى أطمأنت قلوبهم بذكره و شكره
قال الحق سبحانه و تعالى
--------
بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ
وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ }
سبأ21
{ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ }
الشورى6
{ اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ
مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ
إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ }
البقرة255
{ وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ }
الصافات7
{ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ
إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ
وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ }
الرعد11
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }
الحجر9
صدق الله العظيم
أخى المسلم
الحفيظ هو الحافظ ، فعيل بمعنى فاعل كالقدير و العليم
يحفظ السموات و الأرض و ما فيهما لتبقى مدة بقائها فلا تزول و لا تدثر
و هو الذى يحفظ عباده من المهالك و المعاطب و يقيهم مصارع الشر
و يحفظ على الخلق أعمالهم و يحصى عليهم أقوالهم و يعلم نياتهم و ما تكن صدورهم
فلا تغيب عنه غائبة ، و لا تخفى عليه من أمورهم خافية
و يحفظ أولياءه فيعصمهم عن مواقعة الذنوب
و يحرسهم من مكائد الشيطان ، ليسلموا من شره و فتنته
فهو سبحانه و تعالى حفيظ الاشياء يعلم مجملها و تفاصيلها
علما لا زوال فيه و لاسهو و لا نسيان
و هو عز و جلّ حافظ للقرأن الكريم عن التحريف و التبديل
إن من أبدع ماقيل فى أسم الله الأعظم ( الحفيظ )
هو الذى صانك فى المحنة عن الشكوى ، و فى حال النعمة عن البلوى
و قد حفظ الله سبحانه و تعالى مخلوقاته
و لولاه عز و جلّ لما بقى شئ من الممكنات فقد حفظها من العود إلى العدم
و هو الذى خلق الأرض على وجه البحر
ثم أنه بقدرته يحفظها عن الغوص بكليتها فى البحر مع أن طبع الأرض الغوص فى الماء
و هو الذى مزج بين العناصر المتضادة بعضها عن بعض بالطبع
فهو سبحانه و تعالى ركب أبدان الحيوانات منها و أمسك كل واحد منها مع ضده
على خلاف مقتضى طبعه
و هو سبحانه و تعالى حفظ المولود الذى لا يملك لنفسه دفع المضار و لا أجتلاب المنافع
قال قائل
فى كل بلوى تصيب العبد عافية إلا البلاء الذى يؤدى الى النار
ذاك البلاء الذى ما فيه عافيه من البلاء و لا ستر من العار
و حكى رابعة العدويه
أن لصا دخل دار رابعة العدويه و كان النوم أخذها
فأخذ اللص الملاءة فخفى عليه باب الحجرة
فوضع الملاءة فأبصر الباب
فرفع الملاءة ثانية فخفى عليه الباب
و لم يزل يفعل ذلك مرات فهتف هاتف
ضع الملاءة فإنا نحفظها لها و لا ندعها و إن كانت نائمة
أخى المسلم
و نختتم شرح و تفسير أسم الله الأعظم ( الحفيظ )
بما رواه الترمذى فى سننه
أن رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم قال :
( أحفظ الله يحفظك أحفظ الله تجده تجاهك
تعرف إلى الله فى الرخاء يعرفك فى الشده )
أى أحفظ دين الله يحفظ الله عليك نفسك و نسلك و مالك
و قدم لنفسك فى زمن الرخاء شيئا تدخره عند ربك ينفعك وقت الشدة
فإن الله لا تضيع عنده الودائع و لا يذهب المعروف لديه سدى
صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم
أخى المسلم ثانياً :-
أخى المسلم
أعلم أن الحميد هو المحمود المثنى عليه بما أثنى على نفسه
و ذلك بمعنى الجلال و الجمال و الكمال و أن الحمد هو حقيقة البقاء و سر الدار الدائمة
و ذلك أنه حمد ذاته لذاته و أمر عرشه أن يحمده بحمده فحمده
و أمر كرسيه أن يحمده فحمده بالنسبة لما فيه من عدد الموجودات
و أمر القلم أن يحمده فحمده بالنسبة لما فيه من عدد رحمته
و أمر السماوات و الجنة و النار أن يحمدوه فحمدوه
فالحميد هو الذى يستحق الحمد أزلاً و أبداً
و يستوجب الثناء الحسن الجميل من جميع المكلفين
مع إستغنائه عنهم و عن عبادتهم و حمدهم له و ثنائهم عليه
و لقد علمنا جل شأنه كيف نحمده
فأنزل فاتحة الكتاب ليكون حمدنا له صادرا منه و عائدا إليه
و الحميد صفة ثابته لله تعالى و هى راجعة إلى معنى كلامه طوراً
فتارة يكون حمده لنفسه و ثناؤه على ذاته لإستحقاقه ذلك
إذ هو أهل الثناء و الحمد الخالص لتقدس ذاته و صفاته و أفعاله من النقائص
و تارة يكون حمده راجعاً إلى من جعله أهلا للحمد من خلقه لقيامهم بواجب حمده
و هذا الحمد مندرج فى طى حمده لنفسه
إذ أن الحمد الذى حمدهم عليه هو من صنعه
و أما رجوع هذه الصفة لذاته فهو أن يكون حميد بمعنى محمود
إذ لا يحمد الله ،و لا يحمد الله من عباده إلا قوم خاصة
فالممقوت بمعزل عن حمد الله له و عن حمده له
و سيحمده على رغم أنفه عند القيام من لحده
قال الحليمى
هو المستحق لإن يحمد لأنه جل ثناؤه بدأ فأوجد
ثم جمع بين النعمتين الجليلتين الحياة و العقل
و والى بعد مدحه ، و تابع آلاءه و مننه
حتى فاتت العد و إن استفرغ فيها الجهد
فمن ذا الذى يستحق الحمد سواه
بل له الحمد كله لا لغيره كما أن المن منه لا من غيره
قال الخطابى
هو المحمود الذى أستحق الحمد بفعاله و هو فعيل بمعنى مفعول
و هو الذى يحمد فى السراء و الضراء و فى الشدة و فى الرخاء
لأنه حكيم لا يجرى فى أفعاله الغلط و لا يعترضه الخطأ فهو محمود على كل حال
قال ابن القيم
هو الذى له من الصفات و أسباب الحمد ما يقتضى أن يكون محموداَ
و أن لم يحمده غيره فهو حميد فى نفسه
و المحمود من تعلق به حمد الحامدين
و هكذا المجيد و الممجد ، و الكبير و المكبر ، و العظيم و المعظم
و الحمد و المجد إليهما يرجع الكمال كله
فان الحمد يستلزم الثناء و المحبه للمحمود
فمن أحببته و لم تثن عليه ، لم تكن حامداً له
و كذا من أثنيت عليه لغرض ما ، و لم تحبه لم تكن حامداً له
حتى تكون مثنياً عليه محباً له
و هذا الثناء و الحب تبع للأسباب المقتضية له
و هو ما عليه المحمود من صفات الكمال و نعوت الجلال و الإحسان إلى الغير
فأن هذه هى أسباب المحبة
و كلما كانت هذه الصفات أجمع و أكمل كان الحمد و الحب أتم و أعظم
و الله سبحانه له الكمال المطلق الذى لا نقص فيه بوجه ما ، و الإحسان كله له و منه
فهو أحق بكل حمد و بكل حب من كل جهة
فهو أهل أن يحب لذاته و لصفاته و لأفعاله و لأسمائه و لأحسانه
و لكل ما صدر منه سبحانه و تعالى
أخى المسلم
و الرب سبحانه حمده قد ملأ السموات و الأرض و مابينهما
و ما بعد ذلك فملأ العالم العلوى و السفلى و الدنيا و الآخرة
و وسع حمده ما وسع علمه
فله الحمد التام على جميع خلقه و لا حكم إلا بحمده
و لا قامت السماوات و الأرض إلا بحمده
و لا دخل أهل الجنه الجنه إلا بحمده
و لا دخل أهل النار إلا بحمده
قال ربنا سبحانه و تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
{ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }
الفاتحة2
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا }
الكهف1
{ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ }
الأنعام1
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ }
سبأ1
{ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ }
الروم17
{ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ }
الروم18
صدق الله العظيم
لقد حمد الله نفسه على ربوبيته الشامله و حمد نفسه على إنزال كتبه
و حمد نفسه على خلق السموات و الأرض و حمد نفسه على كمال ملكه
فحمده ملأ الزمان و المكان و الأعيان و عم الأقوال كلها
و كل ذلك ما بينته الآيات السابقة و كيف لا يحمد على خلقه كله
{ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ }
السجدة 7